الحاج ظافر البسطامي الرئيس السابق للاتحاد في ذمة الله      اجتماع الهيئة العامة للعام غير العادي لتعديل النظام الداخلي      الجمعيات التي يحق لها حضور اجتماع الهيئة العامة الغير عادي 2024      تعزية ومواساة      تعزية ومواساة      دعوة الهيئة العامة 2024      اليوبيل الفضي للجلوس الملكي      اجتماع الهيئة العامة للعام 2024      الجمعيات الخيرية والدواوين تقف مع غزة      اجتماع الهيئة العامة للعام 2023
مشاريع وافكار الجمعيات الخيريه
مظاهر العمل الخيري وأدلته من القرآن والسنة



الكاتب: مقال لكاتب مميز

بقلم العلامة الدكتور القرضاوي

 

للعمل الخيري مظاهر كثيرة، ودلائل شتَّى، دلَّ عليها القرآن الكريم، والسنَّة المشرَّفة، وحثَّ المسلمين عليها ترغيبا وترهيبا، بعضها من قبيل الواجب، وبعضها من قبيل المستحب، وكلُّها مما يحبُّه الله ويرضاه.

 

وسنورد هنا أمثلة شتَّى لمظاهر فعل الخير، وأدلَّتها من الكتاب والسنة.

 

1. إطعام الجائع.  

 

من القرآن:

 

قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًاوَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا} [الإنسان:9،8]، {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد:11-16].

 

من الحديث:

 

 عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الإسلام خير؟ قال: "تُطعم الطعام، وتقرأ السلام على مَن عرَفت ومَن لم تعرف"[1].

 

وعنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اعبدوا الرحمن، وأطعموا الطعام، وأفشوا السلام، تدخلوا الجنة بسلام"[2].

 

2. سقاية العطشان. 

 

من القرآن:

 

قال تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:19].

 

من الحديث:

 

عن أنس رضي الله عنه قال: لما كان يوم أُحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولقد رأيتُ عائشة بنت أبي بكر وأم سُلَيم وإنهما لمشمِّرتان أرى خَدَم سوقهما، تَنقُزان القِرَب، ثم تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها، ثم تجيئان فتفرغانها في أفواه القوم[3].

 

وعن البَرَاء بن عازب قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، علِّمني عملا يدخلني الجنة. فقال: "لئن كنتَ أقصرتَ الخطبة لقد أعرضتَ المسألة، أعتق النَّسَمَة، وفكَّ الرقبة". فقال يا رسول الله، أو ليستا بواحدة؟ قال: "لا، إن عتق النَّسَمَة أن تفرد بعتقها، وفكَّ الرقبة أن تعين في عتقها. والمنحة الوكوف، والفيء على ذي الرحم الظالم، فان لم تطِق ذلك، فأطعم الجائع، واسقِ الظمآن، وأمر بالمعروف وانهَ عن المنكر، فإن لم تطِق ذلك، فكفَّ لسانك إلا من الخير"[4].

 

وكما رغَّب الإسلام في سقاية الظمآن، ووعد عليه بالأجر الجزيل: رهَّب من منع الماء مَن يستحقُّه، وأوعد عليه بالعقاب الشديد. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يكلِّمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكِّيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بفلاة (صحراء) يمنعه ابن السبيل ..."[5]، زاد في رواية: "يقول الله له: اليوم أمنعك فضلي كما منعتَ فضل ما لم تعمل يداك".

 

وعن رجل من المهاجرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: غزوتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا أسمعه يقول: "المسلمون شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار"[6].

 

وهي الأشياء الضرورية للبيئة العربية - التي تغلب عليها البداوة - في ذلك الوقت.

 

3. كسوة العريان.

 

من القرآن:

 

قال تعالى في شأن مَن حلف على يمين، فحنث فيها: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة:89].

 

من الحديث:

 

عن عُتبة بن عبد السُّلَمي قال: استكسيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فكساني خيشتين، فلقد رأيتُني ألبسهما وأنا من أكسَى أصحابي[7]. أي من أكثرهم كسوة!

 

وعن ابن عباس: جاء سائل فسأل ابن عباس، فقال ابن عباس للسائل: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم. قال: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم. قال: وتصوم رمضان؟ قال: نعم. قال: سألتَ وللسائل حقٌّ، إنه لحقٌّ علينا أن نصِلك، فأعطاه ثوبا، ثم قال سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مسلم كسا مسلما ثوبا إلا كان في حفظ من الله ما دام منه عليه خِرقة"[8].

 

4. إيواء المشرد (ابن السبيل).

 

من القرآن:

 

قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} [التوبة:60]، {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} [البقرة:177]، وقال سبحانه: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر:7]. فجعل لابن السبيل حقًّا في مصارف الزكاة، وفي مصارف الفيء من موارد الدولة، وفي الحقوق الواجبة في المال بعد الزكاة.

 

من الحديث:

 

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ممَّا يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علما علَّمه ونشره، وولدا صالحا تركه، ومصحفا ورَّثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحَّته وحياته، يلحقه من بعد موته"[9].

 

وقال ابن عباس: ألا أخبركم بإسلام أبي ذر؟ قلنا: بلى. قال: قال: أبو ذر كنتُ رجلا من غِفَار، فبلغنا أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أنه نبي، فقلتُ لأخي: انطلق إلى هذا الرجل كلِّمه وأتني بخبره. فانطلق فلقيه ثم رجع، فقلتُ: ما عندك؟ فقال: والله لقد رأيتُ رجلا يأمر بالخير وينهى عن الشرِّ. فقلتُ له: لم تشفني من الخبر. فأخذتُ جرابا وعصا ثم أقبلتُ إلى مكة، فجعلتُ لا أعرفه وأكره أن أسأل عنه، واشرب من ماء زمزم وأكون في المسجد، قال: فمرَّ بي عليٌّ فقال: كأن الرجل غريب؟ قال: قلتُ: نعم. قال: فانطلق إلى المنزل. قال: فانطلقتُ معه لا يسألني عن شيء ولا أخبره. فلما أصبحتُ غدوتُ إلى المسجد لأسأل عنه، وليس أحد يخبرني عنه بشيء، قال: فمرَّ بي علي فقال: أما آن للرجل يعرف منزله بعد؟ قال: قلتُ: لا. قال: انطلق معي ...[10].

 

5. كفالة اليتيم.

 

من القرآن:

 

قال تعالى (ينكر على المجتمع الجاهلي): {كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ} [الفجر:17]، وقال: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} [الضحى:9]، وقال عزَّ وجلَّ: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} [الماعون:1،2]. ومعنى (يَدُعُّه): أي يدفعه بعنف، واليتيم يجب أن يكرم فلا يُدَع ولا يُقهر، وهذا شيء فوق كفالة شؤونه المادية.

 

من الحديث:

 

عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا". وأشار بالسبَّابة والوسطى وفرَّج بينهما شيئا[11].

 

وما أعظمها منزلة: أن يكون كافل اليتيم بهذه الدرجة من القُرب من سيد الرسل محمد صلى الله عليه وسلم.

 

والكفالة التامَّة: أن يجعله في بيته كواحد من أولاده. وقد تكون الكفالة بأن يدفع إليه مبلغا من المال في بلده يكفيه حاجاته، وهي مرتبة دون الأولى، ولكن لها أجرها. وكثيرا ما يفضِّل الأيتام أن يبقَوا في بيوتهم وبلدانهم مع أمهاتهم وأقاربهم. وهذا هو الأولى والأوفق.

 

وعن زُرارة بن أوفى، عن رجل من قومه - يقال له مالك أو ابن مالك - سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن ضمَّ يتيما بين مسلمين في طعامه وشرابه حتى يستغنى عنه وجبت له الجنة البتة ..."[12].

 

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أول مَن يُفتح له باب الجنة، إلا أني أرى امرأة تبادرني، فأقول لها: ما لك؟ ومَن أنت؟ فتقول: أنا امرأة قعدتُ على أيتام لي"[13].

 

6. رعاية الأرملة.

 

من الحديث:

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله". وأحسبه قال: "كالقائم لا يفتُر وكالصائم لا يفطر"[14].

 

7. إيتاء المسكين حقَّه والحضِّ على إطعامه.

 

من القرآن:

 

قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة:60]، {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} [الاسراء:26]، { يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر:40-44]، وقال: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الماعون:1-3]، وقال سبحانه في وصف الكافر: {إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الحاقة:34،33]، وقال في ذمِّ المجتمع الجاهلي: {وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الفجر:18]. أي لا يحضُّ بعضكم بعضا على طعام المسكين. وهذا بخلاف مجتمع المؤمنين المتكافلين، الذين يتحاضُّون على طعام المسكين. وهذا من دلائل مشروعية الجمعيات الخيرية، التي تعمل لرعاية ذوي الحاجات.

 

من الحديث:

 

عن أبي هريرة: أن رجلا شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال: "امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين"[15].

 

وعن أبي سعيد الخدري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "... إن هذا المال خَضِرة حُلوة، فنِعم صاحب المسلم ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل"[16].

 

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا رضي الله عنه إلى اليمن فقال: "ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كلِّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تُؤخذ من أغنيائهم وتُردُّ على فقرائهم"[17].

 

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن أصبح منكم اليوم صائما؟". قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا. قال: "فمَن تبع منكم اليوم جنازة". قال أبو بكر: أنا. قال: "فمَن أطعم منكم اليوم مسكينا؟". قال أبو بكر: أنا. قال: "فمَن عاد منكم اليوم مريضا؟". قال أبو بكر: أنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما اجتمعن في أمريء إلا دخل الجنة"[18].

 

وعن عائشة أنها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتُها ثلاث تمرات، فأعطت كلَّ واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقَّت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرتُ الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الله قد أوجب لها بها الجنة" أو "أعتقها بها من النار"[19].

 

8. تحرِّي حقيقة المسكين.

 

من القرآن:

 

ليس كلُّ مَن ادَّعى المسكنة أو تظاهر بالفقر يكون مسكينا، فكم رأينا من المتسوِّلين مَن يملكون رصيدا في البنوك، ولكنهم احترفوا السؤال وهم أغنياء. لذلك وجب التحرِّي.

 

قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة:273].

 

من الحديث:

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس المسكين الذي يطوف على الناس تردُّه اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يُفطَن به فيُتصدَّق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس"[20]. وفي رواية لمسلم والنسائي: "إنما المسكين المتعفِّف، اقرؤا إن شئتم: {لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} [البقرة:273]".

 

9. رعاية الطفولة.

 

من القرآن: 

 

قال تعالى في سورة الأنعام: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام:151]، وقال في سورة الإسراء: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً} [الاسراء:31]، وقال سبحانه: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8،9]، وقال عزَّ وجلَّ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:233].

 

من الحديث:

 

عن أم خالد بنت خالد بن سعيد قالت: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي وعليَّ وقميص أصفر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سَنَهْ سَنَهْ". قال عبد الله وهي بالحبشية: حسنة. قالت: فذهبتُ ألعب بخاتم النبوة فزَبَرَنِي (فزجرني) أبي. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعها". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي". قال عبد الله فبقيت حتى ذَكَر[21]. أي ذكر الراوي زمنا طويلا.

 

وعن عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا مَن لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا"[22].

 

10. رعاية الأمومة والأبوة.

 

من القرآن:

 

قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الاسراء:23]، وقال: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:14]، وقال على لسان زكريا عليه السلام: {وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً} [مريم:14]، وعلى لسان عيسى ابن مريم عليه السلام قال: {وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً} [مريم:32].

 

من الحديث:

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، مَن أحقُّ الناس بحُسن صحابتي؟ قال: "أمك". قال ثم مَن؟ قال: "ثم أمك". قال ثم مَن؟ قال: "ثم أمك". قال ثم مَن؟ قال: "ثم أبوك"[23].

 

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد، فقال: "أحيٌّ والداك؟". قال: نعم. قال: "ففيهما فجاهد"[24].

 

فجعل رعاية الوالدين والقيام بحقِّهما: نوعا من الجهاد في سبيل الله. وهذا إذا لم يكن الجهاد فرض عين، فإن حقَّ مدافعة الغزاة، والحفاظ على حُرُمات الأمة: مقدَّم على حقِّ الوالدين.

 

11. إيتاء ذي القربى.

 

من القرآن:

 

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ...} [النحل:90]، {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ } [الاسراء:26]، {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء:1]، وقوله: {وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال:75]، وقال تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [النساء:8].

 

من الحديث:

 

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أتى رجل من بني تَمِيم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني ذو مال كثير، وذو أهل ومال وحاضرة، فأخبرني كيف أصنع وكيف أنفق؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تُخرج الزكاة من مالك، فإنها طُهرة تطهِّرك، وتصِل أقرباءك وتعرف حقَّ المسكين والجار والسائل ..."[25].

 

12. إعطاء ما تيسر للمساكين عند الحصاد.

 

من القرآن:

 

ومن مظاهر فعل الخير: إيتاء المساكين وأهل الحاجة ما تيسَّر من الثمر، إذا حضروا حصاد الزرع في الحقول، أو قطف ثمار النخيل والفاكهة في الحدائق.

 

وقد ذهب بعض السلف إلى أن هذا الإعطاء حقٌّ للفقراء، وواجب على أصحاب الزروع والثمار، وهو غير الزكاة المفروضة، وقد استدلُّوا بقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام:141].

 

وجاء عن مفسِّري السلف: يُعطى مَن حضر يومئذ ما تيسَّر، وليس بالزكاة.

 

قال ابن كثير: وقد ذمَّ الله تعالى الذين يَصْرِمون ولا يتصدَّقون، كما ذكر عن أصحاب الجنَّة في سورة (القلم)[26].

 

13. إعطاء من حضر قسمة الميراث من القرابة والمساكين.

 

من القرآن:

 

قال تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [النساء:8].

 

والصحيح: إن هذه الآية محكمة غير منسوخة، كما روى البخاري وابن جرير عن ابن عباس.

 

والمعنى كما قال ابن كثير: أنه إذا حضر هؤلاء الفقراء من القرابة الذين لا يرثون، واليتامى والمساكين: قسمة مال جزيل، فإن أنفسهم تتشوَّف إلى شيء منه، إذا رأوا هذا يأخذ، وهذا يأخذ، وهم بائسون، لا شيء يُعطَونه، فأمر الله تعالى - وهو الرؤوف الرحيم - أن يُرضخ لهم شيء من الوسط، يكون برًّا بهم، وصدقة عليهم، وإحسانا إليهم، وجبرا لكسرهم، كما قال اللّه تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:141]، وذمَّ الذين ينقلون المال خُفية، خشية أن يطَّلع عليهم المحاويج وذوو الفاقة. كما أخبر عن أصحاب الجنة: {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} [القلم:17]، وقال: {فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ} [القلم:23،24]، فـ{دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} [محمد:10][27].

 

14. الإحسان إلى الجيران:

 

من القرآن:

 

قال تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:36].

 

من الحديث:

 

عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحبَّ لجاره - أو قال: لأخيه - ما يحبُّ لنفسه"[28].

 

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره"[29].

 

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع"[30].

 

وعن أبي شريح، وأبي هريرة رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره"[31].

 

وعن أم المؤمنين عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننتُ أنه سيورثه"[32].

 

وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر، إذا طبختَ مَرَقَة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك"[33].

 

15. قرى الضيف.

 

من الحديث:

 

والضيف هو الإنسان الغريب الذي يحلُّ ببلد ليس فيه أهل ولا منزل، فحثَّ الإسلام على إكرامه وقِراه وجوبا أو استحبابا، ولا سيَّما حينما لا يجد مأوى، كما في الأزمنة الماضية في كثير من القرى والبلاد، أو يجد المأوى (خانا أو فندقا)، ولا يجد المال الذي يدفعه له. فلا يُترك في العراء دون إيواء.

 

ففي الحديث الصحيح: عن أبي شُرَيح الكعبي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، جائزته يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام، فما بعد ذلك فهو صدقة"[34].

 

والأمر بإكرامه يدلُّ على الوجوب، بدليل تعليق الإيمان عليه، وبدليل جعل ما بعد الثلاثة أيام صدقة.

 

يؤيِّد ذلك ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: "إن لجسدك عليك حقًّا، وإن لعينك عليك حقًّا، وإن لزَوْرِك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا"[35]. وزَوْرِك: أي زوَّارك وأضيافك.

 

ويؤكِّده حديث أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيُّما ضيف نزل بقوم فأصبح محروما، فله أن يأخذ بقدر قراه، ولا حرج عليه"[36].

 

16. رعاية الشيخوخة والمسنين[37].

 

من القرآن:

 

قال تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} [الاسراء:23]، وقال في قصة موسى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص:23،22].

 

من الحديث:

 

عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا مَن لم يرحم صغيرنا، ويعرف حقَّ كبيرنا"[38].

 

وعن أبي موسى رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من إجلال الله: إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المُقسِط"[39].

 

وعن كعب بن عُجْرَة قال: مرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من جَلَده ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوبين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على نفسه يعفُّها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان"[40].

 

17. رعاية المعوقين وذوي الاحتياجات الخاصة.

 

من القرآن: 

 

قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [الفتح:17].

 

من الحديث:

 

عن أبي ذرٍّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تبسُّمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة"[41].

 

18. إدخال السرور على المحزونين.

 

من الحديث:

 

عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن لقي أخاه المسلم بما يحبُّ، ليسرَّه بذلك: سرَّه الله يوم القيامة"[42].

 

وعن ابن عمر: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أيُّ الناس أحبُّ إلى الله؟ وأيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحبُّ الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحبُّ الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم ..."[43].

 

19. إغاثة الملهوفين وتفريج كربة المكروبين والمنكوبين بالزلازل وغيرها.

 

من الحديث:

 

 عن أبي موسى الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "على كلِّ مسلم صدقة". فقالوا: يا نبي الله، فمَن لم يجد؟ قال: "يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدَّق". قالوا: فإن لم يجد؟ قال: "يعين ذا الحاجة الملهوف". قالوا: فإن لم يجد؟ قال: "فليعمل بالمعروف وليمسك عن الشرِّ، فإنها له صدقة"[44].

 

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يُسلمه، ومَن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومَن فرَّج عن مسلم كُربة فرَّج الله عنه كُربة من كُرُبات يوم القيامة، ومَن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة[45].

 

وعن قَبيصَة بن مُخَارق الهلالي قال: تحمَّلتُ حَمَالة فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها فقال: "أقِم حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها". قال: ثم قال: "يا قَبيصة، إن المسألة لا تحلُّ إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمَّل حَمَالة فحلَّت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلَّت له المسألة حتى يصيب قِواما من عيش - أو قال: سِدادا من عيش - ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحٍجَا من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة. فحلَّت له المسألة حتى يصيب قِواما من عيش - أو قال: سِدادا من عيش - فما سواهنَّ من المسألة - يا قَبيصة - سُحتا يأكلها صاحبها سُحتا"[46].

 

ومن إغاثة الملهوف وتفريج كُربة المكروب: إطفاء الحريق، وإنقاذ الغريق، وإغاثة المنكوبين بحوادث الدهر، من الزلازل والأعاصير والفيضانات ونحوها. وقد ذكر الحديث: أنهم تحلُّ لهم الزكاة والصدقة لما اجتاحهم من الجوائح، حتى يصيبوا قِواما من عيش، أي ينالوا ما يقوم بتمام كفايتهم.

 

20. إعانة الضعفاء.

 

من القرآن:

 

قال تعالى في قصَّة موسى عليه السلام: {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص:24].

 

من الحديث:

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كلُّ سُلامى عليه صدقة، كلَّ يوم: يعين الرجل في دابته يحامله عليها (يساعده في الركوب وفي الحمل)، أو يرفع متاعه صدقة، والكلمة الطيبة، وكلُّ خُطوة يمشيها إلى الصلاة صدقة، ودلُّ الطريق صدقة"[47].

 

21. إسعاف الجرحى ومداوة المرضى.

 

من الحديث:

 

عن الرُّبيِّع بنت مُعوِّذ قالت: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نسقي ونداوي الجرحى، ونردُّ القتلى[48].

 

وعن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سُلَيم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقين الماء، ويداوين الجرحى[49].

 

وعن محمود بن لَبِيد قال: لما أصيب أكحل سعد يوم الخندق فثقُل، حوَّلوه عند امرأة يقال لها رُفَيدة، وكانت تداوي الجرحى، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مرَّ به يقول: "كيف أمسيتَ؟". وإذا أصبح: "كيف أصبحتَ؟". فيخبره[50].

 

وهكذا كان النساء يقمن بدورهن في ساعات الشدَّة، في الإسعاف والتمريض والمداواة.

 

22. القرض الحسن للمحتاجين.

 

من القرآن:

 

قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} [المزمل:20].

 

من الحديث:

 

عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن مَنَحَ مَنِيحَة لبن، أو وَرِق، أو هدى زُقَاقًا، كان له مثل عتق رقبة"[51].

 

قال الحافظ المنذري: معنى قوله: "منيحة وَرِق": يعني به قرض الدرهم.

 

وقال الخطَّ[52]ابي: "هدى زقاقا": أي تصدق بزقاق من النخل فجعله هديا، والزقاق: الطريقة المستوية من المصطفة من النخل، ويحتمل أن يكون معنى قوله: "هدى زقاقا": من هداية الطريق والدلالة عليه.

 

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كلُّ قرض صدقة"[53].

 

23. مساعدة الغارمين المدينين.

 

من القرآن:

 

قال الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [التوبة:60].

 

من الحديث:

 

 عن ابن عمر: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أيُّ الناس أحبُّ إلى الله؟ وأيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحبُّ الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحبُّ الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كُربة، أو تقضي عنه دينا ..."[54].

 

24. التيسير على المدين المعسر.

 

من القرآن:

 

قوله سبحانه: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:280].

 

من الحديث:

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن يسَّر على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة"[55]. وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسرا قال لفتيانه: تجاوزوا عنه لعلَّ الله يتجاوز عنا. فتجاوز الله عنه"[56].

 

وعنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن أنظر معسرا (أي أمهله)، أو وضع له (أي أسقط عنه جزءا من الدين)، أظلَّه الله يوم القيامة تحت ظلِّ عرشه، يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه"[57].

 

وعن أبي اليَسَر رضي الله عنه قال: أبصرت عيناي هاتان، ووضع أصبعيه على عينيه، وسمعت أذناي هاتان، ووضع أصبعيه في أذنيه، ووعاه قلبي هذا، وأشار إلى نياط قلبه: رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن أنظر معسرا، أو وضع له، أظلَّه الله في ظلِّه"[58].

 

وفي رواية الطبراني: قال أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم لسمعتُه يقول: "إن أول الناس يستظلُّ في ظلِّ الله يوم القيامة: لرجل أنظر معسرا حتى يجد شيئا، أو تصدَّق عليه بما يطلبه، يقول: ما لي عليك صدقة. ابتغاء وجه الله، ويخرق صحيفته"[59]. "يخرق صحيفته": أي يقطع العُهدة التي عليه.

 

25. إعارة المتاع لمَن يحتاج إليه.

 

من القرآن:

 

قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } [الماعون:4-7]. والماعون: ما يحتاجه الجيران بعضهم من بعض. مثل: المُنخُل والقِدر والدلو.

 

من الحديث:

 

عن أيمن الحَبَشي: دخلتُ على عائشة رضي الله عنها، وعليها درع قِطْر ثمن خمسة دراهم، فقالت: ارفع بصرك إلى جاريتي انظر إليها، فإنها تُزهَى أن تلبسه في البيت، وقد كان لي منهنَّ درع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كانت امرأة تُقيَّن[60] بالمدينة إلا أرسلت إليَّ تستعيره[61].

 

26. قضاء الحوائج.

 

من الحديث:

 

عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه، ثم جعل شيئا من حوائج الناس إليه فتبرَّم، فقد عرَّض تلك النعمة للزوال"[62].

 

وكذلك حديث: "أحبُّ الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحبُّ الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كُربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا"[63].

 

وقد مرَّ بنا الحديث الصحيح: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ..."[64].

 

27. إرشاد الضال.

 

من الحديث:

 

تقدَّم حديث أبي ذرٍّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تبسُّمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة ..."[65].

 

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كلُّ سُلامى عليه صدقة، كلُّ يوم يعين الرجل في دابته يحامله عليها، أو يرفع متاعه صدقة، والكلمة الطيبة، وكلُّ خطوة يمشيها إلى الصلاة صدقة، ودلُّ الطريق صدقة"[66].

 

28. تأمين الخائف.

 

من القرآن:

 

قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص:25]، {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش:4]، وقال على لسان يوسف عليه السلام لأبويه: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف:99]، وقال: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة:6].  

 

من الحديث:

 

عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأشجع الناس، ولقد فزِع أهل المدينة ليلة فخرجوا نحو الصوت، فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد استبرأ الخبر وهو على فرس لأبي طلحة عُرْي وفي عنقه السيف، وهو يقول: "لم تُرَاعوا لم تُرَاعوا"[67]. أي لا خوف عليكم ولا فزع.

 

29. تزويج الأيامى.

 

من القرآن:

 

قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور:32].

 

من الحديث:

 

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة حقٌّ على الله عونُهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتَب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف"[68].

 

وإنما يعين الله هذه الأصناف - ومنهم الناكح الذي يريد العفاف - بإعانة الصالحين من عباده، حسب سُنَّته في الأسباب والمسبِّبات.

 

30. رعاية عوائل المجاهدين.

 

من الحديث:

 

عن زيد بن خالد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن جهَّز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومَن خلف غازيا في سبيل الله (في أهله) بخير فقد غزا"[69].

 

وبهذا يجاهد المجاهد وهو مطمئن أن أسرته لن تضيع في مجتمع مسلم.

 

وعن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى بني لِحيان: "ليخرج من كلِّ رجلين رجل". ثم قال للقاعد: "أيُّكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج"[70].

 

31. العناية بالأجنة ولو من حرام.

 

من الحديث:

 

عن بُرَيدة قال: كنتُ جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءته امرأة من غامد فقالت: يا نبي الله، إني قد زنيتُ، وأنا أريد أن تطهِّرني. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "ارجعي". فلما أن كان من الغد أتته أيضا، فاعترفت عنده بالزنا فقالت: يا رسول الله، إني قد زنيتُ، وأنا أريد أن تطهِّرني. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "ارجعي". فلما أن كان من الغد أتته أيضا فاعترفت عنده بالزنا فقالت: يا نبي الله، طهِّرني، فلعلك أن تردَّني كما رددتَّ ماعز بن مالك، فوالله إني لحُبلى. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "ارجعي حتى تلدي". فلما ولدت جاءت بالصبي تحمله فقالت: يا نبي الله، هذا قد ولدتُ. قال: "فاذهبي فأرضعيه حتى تفطِميه". فلما فطمتُه جاءت بالصبي في يده كِسرة خبز قالت: يا نبي الله، هذا قد فطمتُه. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبي فدفعه إلى رجل من المسلمين...[71].

 

فلم يرَ النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفِّذ فيها العقوبة، وفي بطنها جنين جاء من الزنا المحرَّم، حفاظا على حقِّ الجنين في الحياة.

 

ومن أجل المحافظة على الجنين رخَّص الشرع الحنيف للمرأة الحامل أن تفطر في رمضان، بل يوجب عليها ذلك إن كان الصوم يضرُّ جنينها.

 

32. إيتاء السائل حقه.

 

من القرآن:

 

قال تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:25،24]، وقال: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ } [البقرة:177]، {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى:10].

 

من الحديث:

 

عن أم بُجَيد رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله، إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد له شيئا أعطيه إياه؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لم تجدي له شيئا تعطينه إياه إلا ظِلفا مُحرَقا فادفعيه إليه في يده"[72]. وزاد ابن خزيمة: "لا تردِّي سائلك ولو بظِلف مُحرَق".

 

وهذا في السائل المحتاج، وليس المحترف للسؤال، وهو غني أو قادر على الكسب.

 

33. تفطير الصائم.

 

من الحديث:

 

عن زيد بن خالد الجُهَني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن فطَّر صائما كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا"[73].

 

وهذه معونة موسميَّة مرتبطة بشهر رمضان، شهر الصيام، حيث لا يجد كثير من الصائمين في بيوتهم ما يُشبعهم من الطعام الملائم، فكان الحثُّ على تفطير الصائم، لسداد هذه الحاجة. وقد اعتاد كثير من أهل الخير أن يفطِّروا كلَّ يوم أعدادا من الصائمين لوجه الله، وقد أطلقوا عليها: (موائد الرحمن في شهر رمضان).

 

34. الإحسان في الحرب.

 

من القرآن:

 

قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة:190]، وقال: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ} [النحل:126].

 

من الحديث:

 

عن رَبَاح بن رَبِيع قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فرأى الناس مجتمعين على شىء فبعث رجلا فقال: "انظر علامَ اجتمع هؤلاء؟". فجاء فقال: على امرأة قتيل. فقال: "ما كانت هذه لتقاتل". قال: وعلى المقدِّمة خالد ابن الوليد فبعث رجلا فقال: "قُل لخالد: لا تقتلنَّ امرأة ولا عَسيفا"[74]. أي أجيرا، كأنما رأى أن الأجير لا غرض له في الحرب، إنما هو غرض مَن استأجره.

 

وعن ابن عمر: وُجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهى رسول الله عن قتل النساء والصبيان[75].

 

وعن بُرَيدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سرية، أوصاه في خاصَّته بتقوى الله، ومَن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: "اغزوا باسم الله، وفي سبيل الله، قاتلوا مَن كفر بالله، اغزوا ولا تغلُّوا، ولا تغدروا، ولا تمثِّلوا، ولا تقتلوا وليدا ...[76].

 

وعن يحيى بن سعيد، أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعث جيوشا إلى الشام، فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان، وكان أمير رُبع من تلك الأرباع فزعموا أن يزيد قال لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: إما أن تركب وإما أن أنزل. فقال له أبو بكر رضي الله عنه: ما أنت بنازل ولا أنا براكب، إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله. قال: إنك ستجد قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له، وستجد قوما فحصوا عن أوساط رؤوسهم من الشعر فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف، وإني موصيك بعشر: لا تقتلنَّ امرأة، ولا صبيا، ولا كبيرا هرِما، ولا تقطعنَّ شجرا مثمرا، ولا تخربنَّ عامرا، ولا تعقرنَّ شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة، ولا تحرقنَّ نخلا ولا تغرقنَّه، ولا تغلُل، ولا تجبُن[77].

 

35. الإحسان بالأسرى.

 

من القرآن:

 

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [النفال:70]، وقال: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} [الإنسان:8].

 

من الحديث:

 

عن أبي عَزيز بن عُمير أخي مصعب بن عمير قال: كنتُ في الأُسارى يوم بدر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالأُسارى خيرا". وكنتُ في نفر من الأنصار، وكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم أكلوا التمر وأطعموني الخبز بوصيَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم[78]. فقد كانوا يعتبرون التمر هو الطعام الشعبي العام المبذول دائما، وأما الخبز فلم يكن شائعا بينهم، فمَن خُصَّ بالخبز فقد أُكرِم.

 

36. الإحسان إلى الرقيق (ما ملكت أيمانكم).

 

من القرآن:

 

قوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:36].

 

من الحديث:

 

عن المَعرُور قال: لقيتُ أبا ذرٍّ بالرَّبَذَة وعليه حُلَّة وعلى غلامه حُلَّة، فسألته عن ذلك، فقال: إني ساببتُ رجلا فعيَّرتُه بأمه فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر، أعيَّرتَه بأمه، إنك امرو فيك جاهلية! إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمَن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلِّفوهم ما يغلبهم، فإن كلَّفتموهم فأعينوهم"[79].

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يقُل أحدكم: أطعِم ربك، وضِّئ ربك، اسقِ ربك، وليقُل: سيدي، مولاي، ولا يقُل أحدكم: عبدي، أَمَتي، وليقُل: فتاي وفتاتي وغلامي"[80].

 

وهكذا راعى الإسلام الجانب الإنساني في معاملة هؤلاء الرقيق الذين اعتبرهم بعض فلاسفة اليونان: ماشية الأمة!

 

37. تحرير الرقيق.

 

من القرآن:

 

قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة:60]، والمراد بالصدقات في الآية: الزكاة المفروضة. وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور:33]، {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد:11-13].

 

وهكذا رأينا القرآن يجعل أحد مصارف الزكاة (في الرقاب). أي في فكِّ الرقاب وتحريرها من مال الزكاة.

 

ثم أمر بمكاتبة أيِّ رقيق يطلب من سيده أن يعاقده على مبلغ يدفعه إليه ثم يُعتقه، كما أمر بمعونة هؤلاء المكاتَبين من مال الله الذي استخلف فيه الإنسان. ثم حثَّ القرآن المؤمنين عامَّة على فكِّ الرقاب، لينالوا رضا الله.

 

من الحديث:

 

عن البَرَاء بن عازب قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:  يا رسول الله علِّمني عملا يدخلني الجنة. فقال: "لئن كنتَ أقصرتَ الخطبة لقد أعرضتَ المسألة، أعتق النَّسَمَة وفكَّ الرقبة". فقال يا رسول الله أو ليستا بواحدة؟ قال: "لا، إن عتق النسمة أن تفرد بعتقها، وفكَّ الرقبة أن تعين في عتقها..."[81].

 

وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن أعتق رقبة مسلمة: أعتق الله بكلِّ عضو منه عضوا من النار، حتى فرجه بفرجه"[82].

 

38. محو الأمية.

 

من القرآن:

 

قال الله تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} [العلق:4].

 

من الحديث:

 

عن ابن عباس قال: كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم: أن يعلِّموا أولاد الأنصار الكتابة. قال: فجاء يوما غلام يبكي إلى أبيه، فقال: ما شأنك؟ قال: ضربني معلِّمي! قال: الخبيث! يطلب بذَحْل (أي بثأر) بدر! والله لا تأتيه أبدا[83].

 

39. تعليم الجاهل.

 

من القرآن:

 

قال تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْكُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122].

 

من الحديث:

 

عن أبي أُمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وملائكته، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت في البحر: ليصلُّون على معلم الناس الخير"[84].

 

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علما علَّمه ونشره، وولدا صالحا تركه، ومصحفا ورَّثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، يلحقه من بعد موته"[85].

 

40. تعليم القرآن.

 

من القرآن:

 

قوله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران:79]، وقوله: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [الرحمن:2،1].

 

من الحديث:

 

عن عثمان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خيركم مَن تعلَّم القرآن وعلَّمه"[86].

 

41. نشر العلم.

 

من الحديث:

 

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علما علَّمه ونشره، وولدا صالحا تركه، ومصحفا ورَّثه، أو مسجدا بناه ... يلحقه من بعد موته"[87].

 

وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور مَن تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا"[88].

 

42. تشغيل العاطل.

 

من القرآن:

 

قال سبحانه: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ *  قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [القصص:27،26].

 

من الحديث:

 

عن أنس بن مالك، أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فقال: "أما في بيتك شىء؟". قال: بلى، حِلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقَعب نشرب فيه من الماء. قال: "ائتني بهما". قال: فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال: "مَن يشتري هذين؟". قال رجل: أنا آخذهما بدرهم. قال: "مَن يزيد على درهم؟". مرتين أو ثلاثا قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين. فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري وقال: "اشترِ بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك، واشترِ بالآخر قَدُوما فأتني به". فأتاه به، فشدَّ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده، ثم قال له: "اذهب فاحتطب وبعْ ولا أرينَّك خمسة عشر يوما". فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مُدقِع، أو لذي غُرم مُفظِع، أو لذي دم مُوجِع"[89].

 

وهكذا حلَّ النبي صلى الله عليه وسلم مشكلة الرجل بالوسائل الميسَّرة في البيئة، وساعده أن يتحمَّل مسؤولية نفسه بنفسه دون الاعتماد على الصدقة، وأن أيَّ عمل مهما يكن شاقًّا في كسبه، وقليلا في دخله: أفضل من سؤال الناس[90].

 

43. الإصلاح بين المتخاصمين. 

 

 من القرآن:

 

قال تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:114]، وقال: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:10،9].

 

وبهذا نرى القرآن حريص على سيادة الأخوَّة والمحبَّة في المجتمع، وسلامة الصدور من الكراهية والأحقاد، وإذا ساءت العلاقات بين الناس فعلى أهل الخير في المجتمع أن يتدخَّلوا لإصلاح ذات البين، وإذا كان ذلك بين طائفتين كان التدخُّل أوجب ولو باستعمال القوَّة لإيقاف نزيف الدماء.

 

من الحديث:

 

عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟". قالوا: بلى. قال: "صلاح ذات البين"[91].

 

عن أم كُلثوم بنت عُقبة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لم يكذب مَن نَمَى بين اثنين ليصلح"[92]. وفي رواية: "ليس بالكاذب من أصلح بين الناس فقال خيرا أو نَمَى خيرا"[93].

 

فأجاز الكذب - باستخدام المعاريض - للإصلاح بين الناس، ولم يُجِز أن ينقل إلى أحد الطرفين المتخاصمين ما يقوله أحدهما في صاحبه، ولو كان صادقا، فإن هذا هو النميمة المحرَّمة شرعا.

 

44. منع الضرر والضرار عن الناس.

 

من القرآن:

 

قوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195]، وقوله: {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ} [البقرة:231]، {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29].

 

من الحديث:

 

عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار، وللرجل أن يجعل خشبه في حائط جاره، والطريق الميتاء سبعة أذرع"[94].

 

45. عيادة المريض.

 

من الحديث:

 

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عزَّ وجلَّ يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضتُ فلم تعدني. قال: يا ربِّ، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمتَ أن عبدي فلانا مرض فلم تعده، أما علمتَ أنك لو عدتَه لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم، استطعمتُك فلم تطعمني. قال: يا ربِّ، وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمتَ أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمتَ أنك لو أطعمتَه لوجدتَ ذلك عندي؟ يا ابن آدم، استسقيتُك فلم تسقني. قال: يا رب، كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما أنك لو سقيتَه وجدتَ ذلك عندي؟"[95].

 

وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن عاد مريضا لم يزل يخوض في الرحمة حتى يرجع، فإذا جلس اغتمس فيها"[96].

 

فهذا لون من أعمال الخير لا يبذل فيه المسلم مالا، بل يبذل جهدا؛ ليخفِّف عن المريض بزيارته، ويدعو له، ويسرُّ قلبه. وخصوصا مَن ليس له قبيلة، ولا عائلة كبيرة، ولا أصدقاء كثيرون.

 

46. مواساة من مات له عزيز.

 

من الحديث:

 

عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن عزَّى مصابا فله مثل أجره"[97].

 

وعن أبي بَرْزَة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن عزَّى ثكلى كُسي بُردا في الجنة"[98].

 

والتعزية هنا: ليس المقصود منها: أن يقول له: أحسن الله عزاءك، أو رحم ميتك، بل فوق ذلك أن يواسيه ويخفِّف عنه، ويسرِّي عنه بالكلام الطيب وغيره.

 

47. صنع طعام لأهل الميت.

 

من الحديث:

 

عن أسماء بنت عُميس زوج جعفر بن أبي طالب قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا بني جعفر (أبناءها) فرأيتُه شمَّهم، وذرفت عيناه! فقلتُ: يا رسول الله، أبلغك عن جعفر شيء؟ قال: نعم، قُتل اليوم! (أي بمعركة مؤتة) فقمنا نبكي، ورجع. فقال: "اصنعوا لآل جعفر طعاما، فقد شُغلوا عن أنفسهم"[99].

 

وهو توجيه نبوي حكيم، فأهل الميت مشغولون بالحزن على ميِّتهم، واستقبال المعزِّين فيه، ومن الواجب على أقرب الناس إليهم: أن يخفِّفوا عنهم عناء الانشغال بإعداد الطعام، وفي هذا لون من المشاركة والمواساة الإنسانية المحمودة في أوقات الشدائد والمصائب.

 

48. بناء المساجد.

 

من القرآن:

 

قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور:36]، وقوله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة:18].

 

من الحديث:

 

عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن بنى مسجدا لله كمَفْحَص قَطاة، أو أصغر، بنى الله له بيتا في الجنة"[100].

 

وعن عثمان عفان قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن بنى مسجدا يبتغي به وجه الله، بنى الله له مثله في الجنة"[101].

 

49. إجراء الأنهار وحفر الآبار.

 

من الحديث:

 

تقدم حديث أبي هريرة وفيه: "أو نهرا أجراه"[102].

 

وعن عثمان رضي الله عنه أنه أشرف عليهم حيث حُوصر، وقال: أنشدكم بالله - ولا أنشد إلا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن حفر (بئر) رُومة فله الجنة". فحفرتُها  ... فصدَّقوه بما قال[103].

 

50. غرس الأشجار.

 

من الحديث:

 

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يغرس غرسا، أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة"[104].

 

وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فان استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها، فليفعل"[105].

 

وإنما أمر بغرس الفسيلة (النخلة الصغيرة) والساعة قائمة ولن ينتفع بها أحد؛ إشارة إلى أن المسلم يتعبَّد لله بالغرس، وأنه يظلُّ على عطائه وإنتاجه إلى أن تلفظ الحياة آخر أنفاسها.

 

51. الكلمة الطيبة والبسمة في الوجه.

 

من القرآن:

 

قال تعالى: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:83]، {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ } [البقرة:263]، وقال سبحانه: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} [الاسراء: 23].

 

من الحديث:

 

عن أبي ذرٍّ قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحقرنَّ من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلق"[106].

 

وعن عَدي بن حاتم قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم النار فتعوَّذ منها وأشاح بوجهه، ثم ذكر النار فتعوَّذ منها وأشاح بوجهه، ثم قال: "اتقوا النار ولو بشقِّ تمرة، فإن لم تجد فبكلمة طيبة"[107].

 

وتقدَّم حديث أبي هريرة، وفيه: "والكلمة الطيبة صدقة"[108]، وحديث أبي ذرٍّ: "تبسُّمك في وجه أخيك لك صدقة ..."[109].

 

52. البداءة بالخير ليستنَّ به.

 

من الحديث:

 

عن جرير بن عبد الله قال: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم الصوف، فرأى سوء حالهم، قد أصابتهم حاجة، فحثَّ الناس على الصدقة فأبطؤا عنه، حتى رُؤي ذلك في وجهه قال: ثم إن رجلا من الأنصار جاء بصُرَّة من وَرِق (دراهم)، ثم جاء آخر، ثم تتابعوا، حتى عُرف السرور في وجهه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن سنَّ في الإسلام سنة حسنة فعُمل بها بعده كُتب له مثل أجر مَن عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء، ومَن سنَّ في الإسلام سنة سيئة، فعُمل بها بعده: كُتب عليه مثل وزر مَن عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء"[110].

 

يشير إلى ذلك الأنصاري الذي فتح الباب للآخرين بما جاء به من صُرَّة الدراهم، فكان البادئ بالخير، وتبعه الناس.

 

53. فعل الخير في السر.

 

من القرآن:

 

قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} [البقرة:271]، وقوله: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:274].

 

من الحديث:

 

عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبعة يظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: ... ورجل تصدَّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه"[111].

 

وعن أبي أُمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السرِّ تطفئ غضب الربِّ، وصِلة الرحم تزيد في العمر"[112].

 

وإنما عظَّم صدقة السر؛ لأنها أبعد عن مراءة الناس، وأقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن مظنَّة إيذاء أهل الحاجة بإعطائهم علانية، على أن الإعلان قد يُطلب أحيانا ليقتدي به الآخرون، وليدفع التهمة عن نفسه، كما في الزكاة المفروضة.

 

54. مساعدة المسلمين الجدد (من سهم المؤلفة قلوبهم).

 

من القرآن:

 

قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60].

 

وتأليف قلوب الناس على الإسلام من المقاصد الشرعية، ولا مانع أن يعطَوا من الزكاة كما يعطَون من غيرها، وأهم مَن يستحقُّون ذلك: المسلمون الجدد، الذين قد يضطَّهدهم أهلوهم، فهم أحوج إلى المساعدة من غيرهم، حتى ترسخ أقدامهم، ويثبت إيمانهم.

 

من الحديث:

 

عن سعد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى رهطا وأنا جالس فيهم قال: فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم رجلا لم يعطِه، وهو أعجبهم إليَّ فقمتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فساررته فقلتُ: يا رسول الله، مالك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمنا. قال: "أو مسلما". فسكتُّ قليلا ثم غلبني ما أعلم منه فقلتُ: يا رسول الله، مالك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمنا. قال: "أو مسلما". فسكتُّ قليلا ثم غلبني ما أعلم منه فقلتُ: يا رسول الله، مالك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمنا. قال: "أو مسلما". قال: "إني لأُعطي الرجل وغيره أحبُّ إليَّ منه خشية أن يُكَبَّ في النار على وجهه"[113].

 

بيَّن الحديث: أن إعطاء الرجل من مال الفيء أو غيره، ليس لأنه أفضل من غيره، ولكن لاعتبارات شرعية، منها: أن يؤلِّف قلبه على الإيمان وطاعة الله، خشية أن يشرد عن الحقِّ، ويسير في طريق الباطل، ويكون من أهل النار.

 

55. بذل النصيحة للجميع.

 

من القرآن:

 

قال الله تعالى على لسان نوح عليه السلام: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} [الأعراف:68].

 

من الحديث:

 

عن تميم الداري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة". قلنا: لمَن؟ قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامَّاتهم"[114].

 

56. البر بغير المسلمين.

 

من القرآن:

 

قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]، وقوله: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} [الإنسان:8].

 

وقد شرعت الآية الأولى البرَّ بغير المسلمين، كما أمرت بالإقساط (أي العدل) إليهم، والبرُّ أمر فوق العدل، وهو الإحسان. العدل: أن تعطيه حقَّه. والبرُّ: أن تزيده على حقِّة.

 

من الحديث:

 

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء"[115]. بهذا التعميم: "مَن في الأرض"، وهذا يشمل المسلم وغير المسلم.

 

وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير الناس أنفعهم للناس"[116]. بهذا التعميم أيضا: "الناس".

 

وعن مجاهد: أن عبد الله بن عمرو ذُبحت له شاة في أهله، فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي، أهديتم لجارنا اليهودي؟ سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيورثه"[117].

 

وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا مَن قتل نفسا معاهدة له ذمَّة الله وذمَّة رسوله فقد أخفر بذمَّة الله، فلا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا"[118].

 

وعن أبي بكرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن قتل نفسا معاهدة بغير حقِّها لم يجد رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة مائة عام"[119].

 

57. الرحمة بالحيوان وسقيه وإطعامه.

 

من القرآن:

 

قال تعالى في قصة موسى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا} [القصص:24،23]. نوَّه القرآن بالعمل الخيري الذي قام به موسى في مساعدة الفتاتين على سقاية غنمهما.

 

من الحديث:

 

عن عبد الله بن عمرو، أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أنزع في حوضي، حتى إذا ملأتُه لأهلي، ورد على البعير لغيري، فسقيتُه، فهل لي في ذلك من أجر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في كلِّ ذات كبد حرَّى أجر"[120].

 

وتقدَّم حديث أبي هريرة في قصة الذي سقى الكلب، "فشكر الله له فغفر له". قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: "في كلِّ كبد رطبة أجر"[121].

 

وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دخلت امرأة النار في هِرَّة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تَدَعها تأكل من خشاش الأرض"[122].

 

وعن عبد الله بن جعفر ... دخل حائطا لرجل من الأنصار، فإذا جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه (أصل أذنيه) فسكت فقال: "مَن ربُّ هذا الجمل؟ لمَن هذا الجمل؟". فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله. فقال: "أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملَّكك الله إياها، فإنه شكى إليَّ أنك تجيعه وتدئبه"[123]. أي تجهده في العمل.

 

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظَّها من الأرض، وإذا سافرتم في السَّنَة (أي في الجدب) فأسرعوا عليها في السير، وإذا عرَّستم بالليل فاجتنبوا الطريق فإنها مأوى الهوام بالليل"[124].

 

فأوصاهم إذا سافروا في زمن الخصب والخضرة وكثرة المرعى: أن يمكِّنوا إبلهم التي يركبونها في الأسفار: أن تأخذ حظَّها من الرعي، ولا يعجلوا عليها.

 

58. الإحسان بالبيئة.

 

من القرآن:

 

قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام:38].

 

من الحديث:

 

عن عبد الله بن حُبْشِي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن قطع سِدرة صوَّب الله رأسه في النار"[125].

 

وذلك لأن السدرة من نبات البراري، وله فائدته للمسافرين في الصحراء في الاستظلال بظلِّه، والأكل من ثمرة، ثم إذا كثر خفَّف من شدَّة الحرِّ، لهذا حذَّر الحديث من قطعه بغير حاجة، وتوعَّد عليه بالنار.

 

وعن الشريد قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن قتل عصفورا عبثا عجَّ إلى الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة، يقول: يا ربِّ، إن فلانا قتلني عبثا، ولم يقتلني لمنفعة"[126].

 

فهذا العصفور من الطيور التي تجمِّل البيئة، فلا يجوز أن يقتل لغير منفعة، إلا لإشباع شهوة العابثين.

 

وعن عبد الله بن مُغَفَّل قال: قال رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم: "لولا أن الكلاب أمة من الأمم، لأمرتُ بقتلها"[127].

 

وفي هذا الحديث الإشارة إلى المحافظة على الأجناس التي خلقها الله، وإن كان الناس يحتقرونها، لأن كلَّ جنس فيها أمَّة من الأمم، كما أشار القرآن: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام:38].

 

59. شكر مَن فعل خيرا والدعاء له.

 

من القرآن:

 

قال الله تعالى في قصة موسى عليه السلام: {قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص:25].

 

من الحديث:

 

عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن أتى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا الله له، حتى تعلموا أن قد كافأتموه"[128].

 

وعن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صُنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرا. فقد أبلغ في الثناء"[129].

 

وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يشكر الله مَن لا يشكر الناس"[130].

 

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال المهاجرون: يا رسول الله، ذهب الأنصار بالأجر كلِّه، ما رأينا قوما أحسن بذلا لكثير، ولا أحسن مواساة في قليل منهم! ولقد كفَونا المؤنة. قال: "أليس تثنون عليهم به، وتدعون لهم؟". قالوا: بلى. قال: "فذاك بذاك"[131].

 

60. إماطة الأذى عن الطريق.

 

من الحديث:

 

كان معاذ يمشي ورجل معه، فرفع حجرا من الطريق فقال: ما هذا؟ فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن رفع حجرا من الطريق كُتبت له حسنة، ومَن كُتبت له حسنة دخل الجنة"[132].

 

وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخَّره، فشكر الله له فغفر له"[133]. وفي رواية لمسلم: "لقد رأيتُ رجلا يتقلَّب في الجنة، في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس"[134].

 

وعنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يميط الأذى عن الطريق صدقة"[135].

 

61. نصرة المظلوم.

 

من القرآن:

 

قوله تعالى: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء:33].

 

من الحديث:

 

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما". فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيتَ إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قال: "تحجزه، أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره"[136].

 

وعن أسماء بنت يزيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن ذبَّ عن لحم أخيه بالغيبة، كان حقا على الله أن يعتقه من النار"[137].

 

وعن جابر بن عبد الله، وأبا طلحة بن سهل الأنصاري قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من امرىء يخذل امرءا مسلما في موضع تُنتهك فيه حرمته، ويُنتقص فيه من عِرضه، إلا خذله الله في موطن يحبُّ فيه نصرته، وما من امرىء ينصر مسلما في موضع يُنتقص فيه من عِرضه، ويُنتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحبُّ نصرته"[138].

 

62. تجهيز الميت.

 

من الحديث:

 

عن أبي رافع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن غسَّل ميتا فكتم عليه غُفر له أربعين مرة، ومَن كفَّن ميتا كساه الله من السندس وإستبرق الجنة، ومَن حفر لميت قبرا فأجنَّه فيه أجرى له من الأجر كأجر مسكن أسكنه إلى يوم القيامة"[139].

 

إن للإسلام سُنَّة في تجهيز الموتى، من حيث تغسيلهم، وتكفينهم الكفن الشرعي، والصلاة عليهم، ودفنهم في مقابر المسلمين، وهذا من فروض الكفاية على الأمة. ولا سيما بالنسبة للموتى الفقراء الذين لا أهل لهم ولا قرابة لهم تقوم بأمرهم.

 

ولهذا قامت جمعيات خيرية في بلاد المسلمين لأداء هذه الفريضة الكفائية، ومن المعروف أن تجهيز الموتى في بلاد الغرب يكلِّف نفقات كثيرة، تجهد الكثير من الناس، بل تعجزهم. حتى قال مَن هناك: موت وخراب ديار. فعلى أهل الخير أن يعينوا في هذا الواجب، حتى لا يجتمع على أهل الميت: مصيبة الموت، ومصيبة العجز عن مواراة ميِّتهم التراب.

 

63. النذر للخيرات والفقراء.

 

من القرآن:

 

قال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة:270]، وقال في مدح الأبرار من عباده: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} [الإنسان:7].

 

من الحديث:

 

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر قال: "إنه لا يردُّ شيئا، وإنما يُستخرج به من البخيل"[140].

 

وعن عائشة رضي الله عنها: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن نذر أن يطيع الله فليطِعه، ومَن نذر أن يعصيَه فلا يعصِه"[141].

وقد اعتاد المسلمون أن يقول أحدهم: لله عليَّ نذر، إن نجح ولدي، أو شُفي مريضي، أو عاد غائبي بالسلامة، أو حقَّق الله أملي في كذا: أن أبني دارا للأيتام، أو مستشفى خيريا، أو مدرسة لتعليم الفقراء، أو أتصدَّق بمبلغ كذا من الدنانير أو الدراهم.
تعليقات القراء
لايوجد تعليقات
أضف تعليقا
الحقول المسبوقة بعلامة (*) هي حقول إجبارية.
* الإسم :  
البريد الإلكتروني :  
* نص التعليق :  
أرسل