لا أحد ينكر أهمية العمل الإنساني أو الخيري داخل المجتمعات سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية، فهو همزة الوصل بين الأغنياء والفقراء، وهو القطاع الذي يلقى على عاتقه مهمة تلمس احتياجات المعوزين والمساكين وذوي الحاجة، وإذا نظرنا إلى دور هذا القطاع الخيري أو الإنساني أو العمل التطوعي في الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة الأمريكية نجده يحظى باهتمام كبير، ويلقى التشجيع على كافة المستويات الأفراد والهيئات والحكومات، ففي الولايات المتحدة مليون ونصف المليون جمعية ومنظمة غير ربحية، كلها معفاة من الضرائب، كما أن لها الحق في الحصول على نسبة كبيرة من الضرائب المستحقة على الشركات والأفراد والمنشآت، كثير من هذه المنظمات الأمريكية من حقها القانوني العمل خارج الولايات المتحدة، وبلغ عدد المنظمات الدينية اليهودية في أمريكا 8524 منظمة حسب (MSN) و12700 حسب محرك (Yahoo) و13500 جمعية دينية يهودية حسب محرك البحث (Google).في حين أن المنظمات الخيرية في كل أقطار العالم العربي لا تتجاوز مجموع المنظمات التطوعية في ولاية أمريكية واحدة.ورغم أن القطاع الخيري في السعودية لا يزيد عمره عن نصف قرن، إلا أنه استطاع أن ينمو ويتمدد في داخل البلاد وخارجها، وهناك منظمات خيرية سعودية وصل عملها لأكثر من مئة دولة، ويبلغ عدد الجمعيات الخيرية في السعودية 340 جمعية لها أنشطة مختلفة ومتنوعة من كفالة أيتام وأسر محتاجة إلى تقديم إعانات الزواج وبناء المساكن الشعبية إلى تقديم العلاج والغذاء.ولكن السؤال هل نجحت الجمعيات الخيرية في تعزيز علاقتها داخل المجتمع السعودي وتلمس احتياجاته وعمل حصر شامل للفقراء والمساكين والمحتاجين؟ أم إنها ما زالت تعمل بطريقة عشوائية دون دراسات جدوى أو دراسات مسحية للأحياء الفقيرة؟، وماذا يريد المجتمع من الجمعيات الخيرية؟. هناك العديد من الدراسات والأبحاث التي قام بها أكاديميون وباحثون في مجال العمل الخيري انصبت حول تحديد العلاقة بين العمل الخيري والمجتمع، والحاجات والمطالب التي ينتظرها المجتمع من المؤسسات الخيرية، وكيفية التطوير المستمر للعمل الخيري، وقدرة القطاع الخيري على تقديم حلول عملية لجميع فئات المجتمع، وماذا يقدم هذا القطاع للشباب ونحن مقبلون على فترة إجازة صيفية تمتد لأكثر من ثلاثة أشهر.فهناك مؤسسات خيرية تكثف نشاطاتها في الصيف لاستيعاب بعض الشباب للعمل الخيري، وهناك جمعيات خيرية تقوم بعمل دورات في الحاسب الآلي والتحفيظ وتعليم المهارات، وهناك دور جمعيات تحفيظ القرآن الكريم ولا يكاد يخلو مسجد واحد في المملكة في فترة الصيف من حلقات التحفيظ، وهناك مؤسسات خيرية متمرسة في العمل الشبابي مثل الندوة العالمية تقوم بعمل دورات توعوية وإرشادية وتعلم مهارات ومراكز صيفية للشباب في الصيف كما تقيم الندوة مخيم أبها للشباب الخليجي منذ سنوات، والذي يتم تحت رعاية سمو الأمير خالد الفيصل أمير منطقة عسير.حاجات ومطالبولكن السؤال ماذا ينتظر المجتمع من الجمعيات الخيرية؟ وما هي الحاجات والمطالب التي يريدها؟.الدكتور إبراهيم بن حمد النقيثان الأستاذ بجامعة الملك سعود أجرى دراسة بعنوان "الحاجات والمطالب التي ينتظرها المجتمع من المؤسسات الخيرية استهدفت استجلاء طبيعة المطالب والاحتياجات المتنوعة التي يتطلع أفراد المجتمع إليها من الجمعيات الخيرية، سواء كانت احتياجات نفسية أو اجتماعية أو تعليمية أو إغاثية.وأظهرت الدراسة أن الأغلبية الذين شملتهم تطالب المؤسسات الخيرية بالعناية الخاصة بالرعاية والتوعية والتوجيه للأفراد في الجوانب الدينية والاجتماعية والصحية والتربوية، وكانت هذه أول المطالب التي يطالب بها من شملتهم الدراسة من الجمعيات الخيرية، أما المطلب الثاني فهو تقديم الخدمات المادية والعينية بدراسة وبحث الحالات التي تحتاج إلى دعم مادي وعيني، المطلب الثالث: التعرف على احتياجات الشباب وأحوالهم ومعالجة مشكلاتهم وحمايتهم من الانحرافات الأخلاقية وظروفهم المادية، وضرورة دعم ومساندة الشباب في الزواج "الشباب والفتيات"، وأن هذه المساندة لا تقتصر على الدعم المادي فقط، بل تتعداه لتشمل تبصير أفراد المجتمع بضرورة الزواج، والتعرف على معاناتهم من وحدة واغتراب أو إعراض عن الزواج، وحل مشكلات العزوبية والعنوسة، بالمساهمة في تكاليف الزواج، والتوعية بعدم المغالاة في المهور والشكليات، وإقامة حفلات الزواج الجماعية، وتبني تشجيع رجال الأعمال على تقديم قروض ميسرة للشباب لتأثيث عش الزوجية، وأكدت الدراسة على أن من الحاجات والمطالب التي يريدها المجتمع من القطاع الخيري الاهتمام بالمناشط الدعوية وإقامة الفعاليات التربوية لحماية المجتمع من التغريب والغلو والتطرف والانحراف.وتعريف أفراد المجتمع بمجالات النشاط الخيري وكسب ثقتهم وتفعيل دورهم في العمل التطوعي، والعناية بتدريب الشباب على الأعمال المفيدة والمهن المختلفة، لفتح أبواب الرزق أمامهم، وتطوير ما لديهم من قدرات وإمكانات ورفع ما لديهم من مهارات، مع السعي الحثيث لحل مشكلات العاطلين عن العمل، وحماية المجتمع من تفشي المنكرات، والعمل على المساهمة مع الأجهزة المعنية في إزالة هذه المنكرات، وضرورة أن تعتني الهيئات والجمعيات الخيرية بالمرضى والمعوقين وأسر السجناء والعمل على تخفيف معاناتهم، والوصول إلى القرى والهجر لما فيها من محتاجين ومعوزين، وعدم الاقتصار على العمل في المدن الكبرى، ومعالجة مشكلات التسول، حفاظا على المجتمع وترابطه، وإقامة مراكز خدمات لحل المشكلات الأسرية والاجتماعية، وإصلاح ذات البين، والشفاعة لدى الغير.التطوير المستمر..ولكن لكي يقوم القطاع الخيري بدوره في المجتمع وتلبية احتياجات المعوزين والمحتاجين لا بد أن يتواصل مع المجتمع ويطور نفسه كما يقول الشيخ حسين بن ردة القرشي "مؤسسة الراجحي الخيرية بالرياض"، ويرى أن إدارة العمل الخيري ترتكز على مفاهيم أساسية لا تختلف في الأصل عن إدارة أي عمل آخر، سوى في بعض التطبيقات، لأن العمل الخيري يرتبط بالمجتمع، ولذلك تتعين المبادرة في تطوير مؤسساتها وأنظمتها الخيرية وتأهيل العاملين بها، وصناعة عملنا الخيري، ومن هذا المنطلق يتعين على المؤسسات الحكومية والخيرية العمل باستراتيجية متكاملة ووضع الأهداف المشتركة لتحقيق المصلحة للمستفيدين وللدولة وللمؤسسات الخيرية نفسها ليتمكن المجتمع من نفع بعضه بعضا، وتخفيف الاعتماد على الدولة في كل شيء من خلال بناء ودعم صناعة العمل الخيري.ويؤكد القرشي على أن من أول الأولويات تحديد ما تريد المؤسسات الخيرية القيام به، والتخصص فيه لما لذلك من تحقيق التركيز والاهتمام والإبداع، من خلال دراسة بيئة هذه المؤسسات الداخلية والخارجية ولمعرفة مواطن القوة والضعف داخل هذه المؤسسات وتحديد الفرص والتهديدات المحيطة بهذه المؤسسات وأن قوة العمل الخيري تأتي من داخله، فلا يمكن أن تكون مؤسسة قوية في مخرجاتها إلا إذا كانت قوية في هيكلها الإداري والتنظيمي، وأنها مبنية على أسس مهنية وتنظيمية وموارد وأنظمة فعالة.ويرى حسين القرشي أن إحدى مشكلات العمل الخيري أن الكثير من المسؤولين فيه لا يرون أنه في حاجة لنظام أو إجراءات أو مهارات أو تدريب فيستمر في التأخر والتأثر بنفسيات وانطباعات القائمين عليه، والتي قد تؤدي إلى تأخره وتأخر أنظمته والعاملين فيه، حتى يصبح عديم التفاعل، والتواصل مع احتياجات المستفيدين منه سواء كانوا عاملين أو محتاجين.ويؤكد القرشي أن المستفيد من خدمة المؤسسات الخيرية هو الأساس، ويجب أن تعلم الجمعيات الخيرية ذلك، ولو تمعنا في نجاح المؤسسات العالمية الخاصة منها والعامة، الربحية وغير الربحية لوجدنا أن سر نجاحها يكمن في تطوير الإجراءات وتسهيلها للإسراع في عملية الأداء والإنجاز.واهتمامها في المقام الأول بعملائها أو المستفيدين منها، بل إنها لا تقتصر في هذا المفهوم على المستفيد الخارجي وهو من يتلقى الخدمة بل تجاوزت ذلك لتصل إلى أدراج العاملين والمالكين (الداعمين) أو المساهمين بل والمجتمع بأسره، من خلال الاهتمام بالبيئة، فالدولة مستفيدة من هذه الجمعيات الخيرية في مكافحة الجهل والفقر والجريمة من خلال توعية ودعوة ومساعدة المحتاجين لتخفيف الحمل عنها، لذلك قامت الدول المتقدمة بتيسير وتسهيل عمل المؤسسات الخيرية وتنظيمها ودعمها من خلال التسهيلات التي تقدمها لها من إعفائها من الضرائب، وإعفاء من يساعدها من مؤسسات تجارية من الضرائب بقدر دعمها لهذه المؤسسات والعمل على تطويرها وتأهيل منسوبيها، وتفريغ الطاقات الماهرة للمساهمة في تقديم خدمات مميزة ومثمرة، وذلك لأنها أدركت أنها لا يمكنها تغطية الاحتياجات الاجتماعية إلا من خلال تفعيل مجتمعاتها لخدمتها، وتيسير ذلك لها.مطلب شرعي... وضرورة اجتماعيةويرى الدكتور عبدالعزيز بن فوزان الفوزان الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن تواصل المؤسسات الخيرية مع المجتمع "مطلب شرعي وضرورة اجتماعية" ويقول: إن العمل الخيري رغم وجود بعض الثغرات فيه، وعدم قدرته على الوفاء بالاحتياجات القائمة، قد بلغ في العقد الأخير شاواً بعيداً، ومستوى عاليا من الشمولية والعموم، والتخطيط والتنظيم وتلمس الحاجات ودراسة المناطق والجهات المستهدفة، وتوسع ليصل إلى الكثير من بلاد المسلمين والأقليات المسلمة، وحقق نتائج ملموسة في مجالات الإغاثة والإعانة للمسلمين، وصارت المؤسسات الخيرية الإسلامية رغم قلة كوادرها ومحدودية مواردها، والعقبات والعوائق الكثيرة التي تعترض طريقها تضاهي كبريات الجمعيات التنصيرية التي تلبس لبوس الإغاثة والتثقيف والتعليم".ويؤكد الفوزان أن الحملات الشرسة التي توجه ضد الجمعيات الخيرية الإسلامية تقف وراءها جهات مشبوهة ومغرضة، وهي تستهدف هذه البلاد المباركة وديننا الإسلامي قبل أن تستهدف الجمعيات الخيرية.ويرى الفوزان أن من الضرورات المتحتمة في هذه المرحلة مواجهة هذه الاتهامات الباطلة بكل قوة وحزم وحكمة وروية، ورد الشبهات وإغلاق أي ثغرة يحاول أن ينفذ المغرضون منها.ويؤكد الفوزان على ضرورة التواصل والتكافل بين أرجاء المجتمع، وهذا ما تقوم به المؤسسات الخيرية، ويرى أن التكافل والتواصل الاجتماعي ليس تشريعا مفروضا على القادرين، بل هو ثمرة طبيعية ونتيجة تلقائية وأثر إيجابي للروابط الدينية، فالتواصل بين أفراد المجتمع هو واجب شرعي، وعبادة جليلة، وهو من حقوق الأخوة الدينية التي يتميز بها أفراد المجتمع المسلم، وهو نتيجة طبيعية للمشاعر التي يكنها أفراد المجتمع بعضهم لبعض، وطالب الشيخ الفوزان بضرورة السرعة في إخراج الزكوات عن طيب نفس لتقديمها للمحتاجين، حتى يشعر هؤلاء أنهم جزء حي في هذا المجتمع، وأن له قيمته وقدره ومكانته واعتباره.حلول عمليةويطرح الدكتور مسفر بن عتيق الدوسري الأستاذ بجامعة الملك سعود إمكانية تقديم القطاع الخيري حلولاً عملية لجميع فئات المجتمع خاصة في المجال الطبي ويقول: "إن هذا المجال حيوي جدا بالنسبة للمحتاجين فغالبا ما يأتي المريض وهو في أشد الحاجة إلى العلاج والدواء فهم في حالة الاضطرار والإكراه بسبب ضغط وإلحاح الحاجة مما يسهل التأثير عليهم، وإن الفقير قد يفقد بعض أو كل ما يملك لحاجته إلى العلاج من المرض، وعندما تعجز الموارد الموجهة إلى القطاع الصحي عن تلبية حاجات الناس من الخدمات الطبية فهل يستطيع القطاع الخاص أن يوفر احتياجات الناس الطبية؟"، ويقول العتيق: "إن هذا القطاع يريد الربح ولأن المستثمرين فيه يريدون تشغيل أموالهم ولذلك يأتي دور القطاع الخيري بمحاولة المساهمة في طرح حلول عملية لعلاج المحتاجين خاصة أن هذا القطاع يتميز بثقة أفراد المجتمع ولهذا يسهل عليه الحصول على تمويل المشروعات الخيرية الطبية، كما أنه يستطيع أن يقدم الخدمات العلاجية بمستوى جيد من الكفاءة والجودة، لأن هدفه إنساني بحت وأنه يريد تقديم الخدمة لمريض محتاج بدون أي ربح أو أي عائد".ويقول الدكتور مسفر العتيق: "إن القطاع الخيري هو أفضل من يساعد القطاع الحكومي في توفير هذه الخدمات الإنسانية الضرورية بكفاءة فنية واقتصادية، وذلك لأنه قطاع لا يريد الربح كما هو في القطاع الصحي، كما يهدف إلى توفير نوعية من الخدمات الصحية الجيدة بعيدا عن الروتين والبيروقراطية".ويرى الشيخ محمد بن يحيى الشريف (استشاري تخطيط) أن المؤسسات الخيرية أسست على أساس تقديم الخدمة لفئات معينة من المجتمع وهي فئة الفقراء، والمحتاجين، وتستخدم في ذلك أساليب التواصل مع المجتمع التي تستخدمها الجهات الربحية والتي من الممكن محاكاتها بشكل أو بآخر وحدد الشريف الخطوات التي يجب أن تتخذها الجهات الخيرية للتواصل مع المجتمع في عدة نقاط هي:أولا: أن يكون التواصل مع المجتمع ضمن الأهداف الرئيسية لخطة الجهة الخيرية، ومن ثم يتم وضع الخطط لتنفيذ هذا الهدف.ثانيا: تحديد مسؤولية متابعة برامج التواصل مع المجتمع.ثالثا: أن تحرص الجهات الخيرية على فهم ظروف المجتمع والاحتياجات القائمة.رابعا: أن تنظم الجهة الخيرية نفسها وتحرص على تنظيم المجتمع نفسه ليحسن من ظروف الحياة.خامسا: أن تضع الجهة الخيرية خططا لمشروعات أو برامج محددة من شأنها أن تؤدي إلى هذا التحسن.سادسا: أن تحرص الجهة الخيرية على التواصل والترابط مع المكتسبات الجديدة.ويطالب الشريف أن تركز المؤسسات الخيرية على برامج التشغيل والمشروعات التنموية وتدريب الشباب على المهن المختلفة.