المحامية ديما جويحان- كراجه*
الجمعيات، باعتبارها شخصا معنويا له صفة قانونية، تتمتع كأي شخص أردني بالحقوق وتلتزم بالواجبات التي ينص عليها القانون. والأصل أن تسعى الجمعيات إلى تحقيق المساءلة والشفافية من خلال ممارسة قواعد الحاكمية الرشيدة في أمورها الإدارية والمالية كافة.
وتحقق الجمعيات شرط المساءلة من خلال الالتزام بمتطلبات القانون، وإيضاح كيفية إنفاق الموارد المالية من خلال السجلات والتقارير المالية، وإظهار النوايا الحسنة أو الرغبة في تحقيق المعايير المهنية، والاستخدام الحكيم للموارد، وعدم استغلال المزايا الخاصة الممنوحة لها مثل الإعفاءات الضريبية.
أما الشفافية، والتي تعرف بأنها التزام أو رغبة المنظمات غير الربحية في نشر وإتاحة البيانات الأساسية حول عملياتها، فإنها تأخذ عدة أشكال:
- الشفافية التنظيمية، وهي نشر المعلومات حول تسجيل الجمعية وهيكلها التنظيمي والإداري.
- الشفافية البرامجية، وهي نشر المعلومات حول أنشطة وخدمات الجمعية لتقييم كفاءتها وفعاليتها.
- الشفافية المالية، وتتمثل في نشر التقارير المالية حول دخل الجمعية ونفقاتها ووضعها المالي بشكل عام.
وتكون الجمعيات مسؤولة أمام أكثر من جهة. فهي مسؤولة تجاه مموليها، وتلتزم بالشروط التي ترد في عقود التمويل أو المنح، مثل إعداد التقارير الدورية؛ كما أنها مسؤولة أمام المستفيدين من خدماتها من خلال تنفيذ المشاريع بشكل عادل، وبإدارة مالية حصيفة، ومن دون استهداف المصلحة لجماعة معينة من دون غيرها؛ وهي مسؤولة أمام هيئتها العامة (الأعضاء) من خلال تقديم التقارير السنوية التي تتضمن خطة العمل السنوية والميزانية السنوية وتقرير المحاسب القانوني. إضافة إلى ذلك، فإن الجمعية مسؤولة تجاه سجل الجمعيات والوزارة المختصة والجهات الرسمية الأخرى ذات العلاقة بعملها.
وقد منح قانون الجمعيات سلطات إشرافية لكل من سجل الجمعيات والوزارة المختصة وغيرها من الجهات الرسمية على عمل الجمعيات ونشاطاتها، للتأكد من أنها تمتثل لأحكام القانون وتسعى لتحقيق المساءلة والشفافية.
فمجلس إدارة السجل يقيم أداء الجمعيات وأنشطتها بالتنسيق مع الوزارات المختصة، ويشكل لجانا للتوفيق في النزاعات التي تحدث بين الجمعيات، كما أنه يصدر قرارا بحل الجمعيات أو دمجها ببعضها أو تعديل نظامها الأساسي.
أما أمين عام سجل الجمعيات فله الحق في الاستفسار عن الحسابات البنكية للجمعيات، واستلام الشكاوى المتعلقة بالجمعيات وإحالتها إلى الوزارة المختصة بكل منها، ومراقبة أي تعديل على العنوان المعتمد للجمعية. كما له الحق في تسمية ممثل لحضور اجتماعات الهيئة العامة للجمعيات، علما أن عدم حضور ممثل عن أمين السجل لا يؤثر في صحة الاجتماع.
وقد حدد القانون صلاحيات الوزارة المختصة، حيث إنها تتولى الإشراف على أعمال الجمعية، وذلك من خلال مراجعة التقرير السنوي للجمعية، والذي يتضمن التقرير الإداري والخطة السنوية والتقرير المالي والميزانية، والتدقيق في سجلات الجمعية وتسمية ممثل لحضور اجتماعات الهيئة العامة للجمعية، علما أن عدم حضور ممثل عن الوزارة المختصة لا يؤثر على صحة الاجتماع. وتصدر الوزارة المختصة الكتب اللازمة للجمعية لإصدار سندات القبض والأختام.
كما أن للوزير المختص صلاحيات تعيين هيئة إدارية مؤقتة للجمعية، والتنسيب لمجلس إدارة السجل بحل الجمعية وتشكيل لجنة لحلها وفقا لأحكام قانون الجمعيات والإشراف على أعمال هذه اللجنة. والوزير يصدر القرارات في الطعون المقدمة حول رفض قبول عضوية في الجمعية أو فصل أي عضو فيها، ويقوم بطلب دعوة الهيئة العامة للاجتماع بموجب طلب مقدم من 20 % من أعضاء الجمعية المسددين لاشتراكاتهم السنوية في حال عدم استجابة هيئة الإدارة لهذا الطلب، ويشكل لجنة للتوفيق في حال وقوع نزاع بين أعضاء الجمعية، وله صلاحية الاستفسار عن الحسابات البنكية للجمعية.
إلا أن هذه الصلاحيات، وحسب نص القانون وأفضل الممارسات، لها حدود لضمان عدم التعسف وعدم إرهاق الجمعيات بالطلبات المكلفة مالا ووقتا.
فالإشراف على عمل الجمعية يعني التأكد بأنها في ممارستها لأنشطتها وأعمالها تلتزم بأحكام القانون والتزاماتها المنصوص عليها. وحسب نص القانون، تلتزم الجمعية بممارسة أعمالها ونشاطها وفق أحكام نظامها الأساسي، وفتح باب العضوية لكل من تتوفر فيه شروط اكتساب العضوية وفق أحكام نظامها الأساسي مع مراعاة حدود العضوية التي ترد في الجمعيات الخاصة والمغلقة، ومسك السجلات المالية التي تبين إيراداتها وأوجه إنفاقها، والاحتفاظ بالسجلات حول قرارات الهيئة العامة وقرارات مجلس الإدارة وموجودات الجمعية، والحصول على موافقة مجلس الوزراء على التمويل الأجنبي، وإشعار الوزارة المختصة وأمين السجل بموعد اجتماع الهيئة العامة قبل 15 يوما من انعقاده. وهنا يجب مراعاة عملية التنسيق بين مديريات التنمية الاجتماعية التي تتسلم الإشعارات حول اجتماعات الهيئة العامة من الجمعيات وأمين عام السجل، وذلك لتتم عملية إشعار أمين عام السجل ضمن المدة القانونية، حيث إن عدم الإشعار بموعد الاجتماع يجعل من الاجتماع غير قانوني.
وعلى الجمعية أن تودع نسخة عن قرارات الهيئة العامة خلال خمسة عشر يوما من إصدارها لدى الوزارة المختصة وأمين السجل. وقرارات الهيئة العامة، بما فيها قرارات إنشاء فرع للجمعية، لا تحتاج إلى الموافقة، إلا في حالة تعديل النظام الأساسي للجمعية والذي يحتاج إلى موافقة مجلس إدارة السجل الذي يقوم بالتأكد من أن التعديلات لا تخالف القانون والنظام الأساسي والحوكمة الرشيدة. وعلى المجلس أن يصدر قراره في التعديل خلال مدة ستين يوما من تاريخ إيداع القرار لدى أمين السجل، علما أن عدم صدور القرار خلال هذه المدة يؤدي إلى نفاذ التعديل.
أما التقرير السنوي الذي تقدمه الجمعية للوزارة المختصة، فبغض النظر عن حجم الجمعية أو حجم التقرير وشكله، فإن هناك عددا من العناصر التي يجب أن تتوفر فيه، وهي:
- التقرير الإداري، الذي يتضمن بيانا لأنشطة الجمعية خلال السنة السابقة وإنجازاتها، وعدد المنتسبين إليها والمستفيدين من أنشطتها، والخطة السنوية.
- كما يجب أن يتضمن التقرير تقريرا ماليا يتضمن ميزانية الجمعية للسنة السابقة مدققة من قبل مدقق حسابات معتمد، إلا إذا كانت ميزانية الجمعية لا تتجاوز مبلغ ألفي دينار في السنة؛ فهنا تتولى الوزارة المختصة عملية التدقيق على السجلات المالية. ويتضمن التقرير المالي أيضا معلومات حول التمويل الوارد للجمعية ومقداره ومصدره وأوجه صرفه، حيث إن عدم الإفصاح عن ذلك يؤدي إلى تطبيق عدد من الجزاءات والغرامات المالية على الجمعية حسب نص القانون.
أما تعيين هيئة إدارية مؤقتة للجمعية من قبل الوزير المختص، فإن له ضوابط. حيث حدد القانون الحالات التي يجوز للوزير فيها تعيين هيئة إدارية مؤقتة، وهي:
- الحالة الأولى، إذا تعذر على هيئة إدارة الجمعية عقد اجتماعاتها لفقدان نصابها القانوني بسبب الاستقالة أو الوفاة أو ما يماثل ذلك من حالات. ومن ناحية عملية، فإنه في حال تعذر انتخاب الهيئة الإدارية بسبب انتهاء مدتها/ ولايتها، ومن باب تحقيق المصالح الفضلى، لا تعامل هذه الحالة كإحدى حالات تعيين هيئة إدارية مؤقتة، حيث من الممكن الطلب من الهيئة الإدارية المنتهية ولايتها الدعوة لاجتماع هيئة عامة يتم فيه انتخاب هيئة إدارية جديدة، مع الأخذ بعين الاعتبار وضع الجمعية من حيث التزامها بنصوص القانون، ومدة انتهاء ولاية الهيئة الإدارية، وعلاقة الهيئة الإدارية بأعضاء الجمعية، وغيرها من الأمور التي تحدد كيفية التعامل مع هذه الحالة.
- الحالة الثانية لتعيين هيئة إدارية مؤقتة هي مخالفة الجمعية أياً من أحكام هذا القانون أو الأنظمة الصادرة بمقتضاه أو نظامها الأساسي، من دون إزالة أسباب المخالفة خلال شهرين من تاريخ تبليغها إنذاراً خطياً بتلك المخالفة.
- الحالة الثالثة هي عدم التزام هيئة إدارة الجمعية باتخاذ ما يلزم من إجراءات وتدابير يطلبها منها وزيرها المختص لغايات تسهيل مهمة لجنة التدقيق والمحاسب القانوني في حال كانت سجلاتها تخضع للمساءلة أو التدقيق من قبل الوزارة المختصة، علما أن لهذا الإجراء ضوابطه أيضا، حيث لا يجوز طلب إجراء التدقيق في أيام العطل، أو من دون وجود ممثلين عن الجمعية خلال عملية التدقيق، وغيرها من الأمور التي تضمن عدالة الإجراء.
- الحالة الأخيرة لتعيين هيئة إدارية مؤقتة هي قبول الجمعية أي تبرع أو دعم أو تمويل مشروع من أي مصدر كان من دون الإفصاح عنه وإدراجه في تقاريرها وسجلاتها المالية، علما أن الإجراء هنا سببه عدم الإفصاح عن التمويل، حتى لو كان لا يحتاج لموافقة مسبقة مثل التمويل المحلي.
أما حل الجمعية، فله ضوابطه أيضا. فالحل إما أن يكون حكما، وذلك في حال عدم مباشرة الجمعية لنشاطاتها لمدة عام منذ تسجيلها، أو توقفها عن ممارسة أعمالها لنفس المدة؛ أو أن يكون حلا اختياريا بموجب قرار صادر عن ثلثي الهيئة العامة في اجتماع غير عادي؛ أو حلا إجباريا يتم بتنسيب من الوزير المختص لمجلس إدارة السجل والذي يصدر قراره مسببا بناء على إحدى الحالات التالية:
- إذا تعذر انتخاب هيئة إدارية للجمعية وفق النظام الأساسي بالرغم من تعيين هيئة إدارية مؤقتة لها من قبل الوزير المختص.
- إذا قامت الجمعية بالاحتفاظ أو باستخدام تبرع أو تمويل من أشخاص غير أردنيين من دون الحصول على موافقة مجلس الوزراء، أو بالرغم من صدور قرار من مجلس الوزراء برفض التمويل.
- إذا ارتكبت الجمعية لمرة ثانية المخالفة التي سبق إنذارها بشأنها، وبعد تعيين هيئة إدارية مؤقتة بسبب ذلك، ومن دون إزالة أسباب هذه المخالفة خلال شهرين من تاريخ تبليغها إنذاراً خطياً بشأنها مرة أخرى.
ولضمان وضع ضوابط للصلاحيات الإشرافية لمختلف المؤسسات الرسمية على الجمعيات، يجب اتخاذ التدابير اللازمة التي تحدد تفسير نص القانون من قبل الوزارة المختصة أو سجل الجمعيات في بعض الحالات التي قد يبدو فيها النص القانوني عاما، خاصة في حالات تعيين الهيئة الإدارية المؤقتة والحل، وذلك لضمان توحد الإجراءات بين الجهات الإشرافية المختلفة وعدم التعسف في استعمال الصلاحيات. وهنا نوصي باتباع أفضل الممارسات الدولية، والتي تنص على أن أعمال الجمعية مشروعة ما لم يثبت العكس، وأن الجمعية ككيان قانوني مسجل يخضع لنفس القوانين التي يخضع لها مواطنو الدولة، مثل قانون العقوبات وقانون مكافحة الإرهاب وغسل الأموال. وعليه، لا يوجد داع لفرض إجراءات تقييدية إضافية على عمل الجمعيات. وأخيرا، يجب مراعاة مبدأ التناسب بين المخالفة والجزاء، مع الأخذ بعين الاعتبار حجم الجمعية وسجل عملها وسمعتها والامتيازات التي تحصل عليها، وغيرها من الأمور، حتى لا يتم تطبيق الجزاءات بشكل مجحف أو غير عادل.
* المدير التنفيذي للمركز الدولي لقوانين منظمات المجتمع المدني- فرع الأردن.....
المحامية ديما جويحان- كراجه*